كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إن الله} أي: ذا الجلال والإكرام {لذو فضل} أي: عظيم جدًّا باختياره {على الناس} أي: كافة باختلاف الليل والنهار وما يحتويان عليه من المنافع {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} الله فلا يؤمنون وينسبون أفعاله سبحانه إلى غيره جهلًا ويعلمون بما يسلب عنهم اسم الشكر من الشرك وغيره، فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {ولكن أكثر الناس} ولم يقل ولكن أكثرهم ولا يكرر ذكر الناس؟
أجيب: بأن في هذا التكرار تخصيصًا لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله تعالى ولا يشكرونه كقوله تعالى: {إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم: 34).
ولما بين تعالى بتلك الدلائل المذكورة وجود الإله القادر قال تعالى: {ذلكم} أي: أيها المخاطبون {الله} أي: الملك الأعظم المعلوم لكل أحد المتميز عن كل شيء بالأفعال التي لا يشاركه فيها أحد {ربكم} أي: المربي لكم المحسن إليكم {خالق كل شيء} أي: بما ثبت من تمام قدرته لأنه {لا إله إلا هو} أي: هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية فهي أخبار مترادفة وإذا كان خالق كل شيء {فأنى} أي: فكيف ومن أي وجه {تؤفكون} أي: تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
{كذلك} أي: مثل هذا الصرف البعيد عن مناهج العقلاء {يؤفك} أي: يصرف {الذين كانوا} أي: مطبوعين على أنهم {بآيات الله} أي: ذي الجلال والكمال {يجحدون} أي: ينكرون عنادًا ومكابرة.
ولما كان دلائل وجوده تعالى إما أن تكون من دلائل الآفاق وهي غير الإنسان وهي أقسام وذكر منها أحوال الليل والنهار كما تقدم، ذكر أيضًا منها هاهنا الأرض والسماء فقال تعالى: {الله} أي: الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء {الذي جعل} أي: وحده {لكم الأرض} أي: مع كونها فراشًا ممهدًا {قرارًا} مع كونها في غاية الثقل ولا ممسك لها سوى قدرته {والسماء} أي: على علوها وسعتها مع كونها أفلاكًا دائرة بنجوم طول الزمان سائرة ينشأ عنها الليل والنهار والأظلام {بناء} مظلة كالقبة من غير عماد وحامل. ثم ذكر دلائل النفس وهي دلالة أحوال بدن الإنسان على وجود الصانع القادر الحكيم بقوله تعالى: {وصوركم} والتصوير على غير نظام واحد لا يكون إلا بقدرة قادر تام القدرة مختار {فأحسن صوركم} على أشكال وأحوال مع أنها أحسن الصور ليس في الوجود ما يشبهها لم يخلق الله تعالى حيوانًا أحسن صورة من الإنسان كما قال تعالى: {في أحسن تقويم} (التين: 4) قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الإنسان قائمًا معتدلًا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه.
ولما ذكر تعالى المساكن والساكن ذكر ما يحتاج إليه في مدة السكن فقال سبحانه {ورزقكم من الطيبات} أي: الشهية الملائمة للطباع وقيل: هو ما خلق الله تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب، وعن الحسن: أنه قال لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وذريته قالت الملائكة عليهم السلام: إن الأرض لا تسعهم قال الله تعالى: فإني جاعل موتًا، قالوا: إذًا لا يهنأ لهم العيش قال تعالى: فإني جاعل أملًا.
ولما دل هذا على التفرد قال تعالى على وجه الإنتاج {ذلكم} أي: الرفيع الدرجات {الله} أي: المالك لجميع الملك {ربكم} أي: المحسن إليكم لا غيره {فتبارك} أي: ثبت ثباتًا عظيمًا مع اليمن والخير وحسن المدد والفيض {الله} المختص بالكمال {رب العالمين} كلهم فهو المحسن إليهم بالتربية وغيرها. ثم نبه تعالى بقوله سبحانه: {هو الحي} بما يفيد الحصر بأنه لا حي على الدوام إلا هو ثم نبه تعالى على وحدانيته بقوله سبحانه: {لا إله إلا هو} ثم أمر العباد بالإخلاص في الدعاء فقال تعالى: {فادعوه} أي: اعبدوه {مخلصين له الدين} أي: من كل شرك جلي أو خفي.
ولما كان تعالى موصوفًا بصفات الجلال والعزة استحق لذاته أن يقال له: {الحمد} أي: الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي: المسمى بهذا الاسم الجامع لمجامع معاني الأسماء الحسنى {رب العالمين} أي: الذي رباهم هذه التربية، وقال الفراء: هو خبر وفيه إضمار الأمر ومجازه فادعوه واحمدوه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من قال لا إله إلا الله فليقل: على أثرها الحمد لله رب العالمين.
ولما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بقوله تعالى: {قل} أي: لهؤلاء الذين يجادلونك في البعث مقابلًا لإنكارهم بالتوكيد {إني نهيت} أي: ممن لا نهي لغيره نهيًا عامًا ببراهين العقول ونهيًا خاصًا بأدلة النقل {أن أعبد الذين تدعون} أي: تعبدون {من دون الله} أي: الذي له الكمال كله، قال البقاعي: ودل على أنه ما كان متعبدًا قبل البعثة بشرع أحد بقوله: {لما جاءني البينات} أي: الحجج وهي ما تقدم من الدلائل الدالة على أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفًا بصفات الجلال والعظمة وصريح العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا له وأما الأحجار المنحوتة والأخشاب المصورة فلا تصح أن تكون شركاء له. ثم نبه على أنه تعالى كما يستحق الإفراد بالعبادة لذاته يستحقها شكرًا لإحسانه بقوله: {من ربي} أي: المربي لي تربية خاصة هي أعلى من كل مخلوق سواي فأنا أعبده عبادة تفوق عبادة كل عابد.
ولما أمره بما ينهى عنه أمره بما يتحلى به فقال: {وأمرت أن أسلم} أي: حين دعي إلى الكفر {لرب العالمين} لأن كل ما سواه مربوب له فالإقبال عليه خسار وإذا نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمر بهذا لكون الآمر والناهي هو رب العالمين كان غيره مشاركًا له في ذلك لا محالة.
ولما استدل تعالى على إثبات الإلهية بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء، ثم ذكر الليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان؛ أحدهما: حسن الصورة ورزق الطيبات، ذكر النوع الثاني: وهو كيفية تكوين البدن من ابتداء كونه نطفة وجنينًا إلى آخر الشيخوخة والموت فقال تعالى: {هو} أي: لا غيره {الذي خلقكم من تراب} أي: بخلق أبيكم آدم عليه السلام منه، قال الرازي: وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني مخلوق من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات، والنبات إنما يكون من التراب والماء، فثبت أن كل إنسان متكون من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة كما قال تعالى: {ثم من نطفة} أي: من مني {ثم من علقة} أي: دم غليظ متباعد حاله عن حال النطفة كما كان حال النطفة متباعدًا عن حال التراب {ثم} بعد أن جرت شؤون أخرى {يخرجكم} أي: يجدد إخراجكم شيئًا بعد شيء {طفلًا} أي: أطفالًا والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم لا تملكون شيئًا ولا تعلمون شيئًا {ثم} يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طورًا بعد طور وحالًا بعد حال {لتبلغوا أشدكم} أي: تكامل قوتكم من الثلاثين سنة إلى الأربعين وعن الشعبي صغر الغلام لسبع سنين ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وينتهي عقله لثمان وعشرين ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين {ثم} يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول {لتكونوا شيوخًا} ضعفاء غرباء قد ماتت قوتكم ووهنت أركانكم، وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وحفص بضم الشين والباقون بكسرها {ومنكم من يتوفى} بقبض روحه {من قبل} أي: قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية أو قبل هذه الأحوال إذا خرج.
تنبيه:
قوله تعالى: {لتبلغوا أشدكم} متعلق قال الزمخشري: بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا أشدكم وكذلك لتكونوا وأما قوله: {ولتبلغوا} أي: كل واحد منكم {أجلًا مسمى} فمعناه ويفعل ذلك لتبلغوا أجلًا مسمى وهو وقت الموت وقيل: يوم القيامة {ولعلكم تعقلون} أي: ما في ذلك من العبر والحجج وتستدلون بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى.
ولما ذكر تعالى انتقال الأجسام من كونها ترابًا إلى أن بلغت الشيخوخة واستدل بهذه التقديرات على وجود الإله القادر أنتج قوله تعالى: {هو} أي: لا غيره {الذي يحيي ويميت} كما تشاهدونه في أنفسكم فكما أن الانتقال من صفة إلى صفة أخرى من الصفات المتقدمة يدل على الإله القادر فكذلك الانتقال من الحياة إلى الموت وبالعكس يدل على الإله القادر.
ولما كانت إرادته لا تكون إلا تامة تسبب عن ذلك قوله تعالى: {فإذا قضى أمرًا} أي أراد أي: أمر كان من القيامة أو غيرها {فإنما يقول له كن فيكون} فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة، وقرأ ابن عامر بنصب النون والباقون بالرفع وتقدم توجيه ذلك في سورة البقرة، ثم إنه تعالى عاد إلى ذم الذين يجادلون في آيات الله مخاطبًا بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {ألم تر} أي: يا أنور الناس قلبًا وأصفاهم لبًا {إلى الذين يجادلون} أي: بالباطل {في آيات الله} أي: الملك الأعظم {أني} أي: كيف ومن أي وجه {يصرفون} أي: عن التصديق وتكرير ذم المجادلة بتعدد المجادل والمجادل فيه أو للتوكيد وقوله تعالى: {الذين كذبوا} يجوز أن يكون بدلًا من الموصول قبله أو بيانًا أو نعتًا أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوبًا على الذم {بالكتاب} أي: بسببه في جمع ما له من الشؤون التي تفوق الحصر وهو القرآن أو بجنس الكتب السماوية {وبما أرسلنا} أي: على ما لنا من العظمة {به رسلنا} أي: من جميع الملل والشرائع بكتاب كان أو بغيره ولذا تسبب عنه تهديدهم في قوله تعالى: {فسوف يعلمون} أي: بوعد صادق لا خلف فيه ما يحل بهم من سطواتنا وقوله تعالى: {إذِ الأغلال في أعناقهم} ظرف ليعلمون، فإن قيل: سوف للاستقبال وإذ للماضي فهو مثل قولك سوف أصوم أمس؟
أجيب: بأن المعنى على إذا إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعًا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال قالوا وكما تقع إذا موقع إذ في قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها} (الجمعة: 11) كذلك تقع إذ موقعها وقوله تعالى: {والسلاسل} عطف على الأغلال، فتكون في الأعناق، والسلسلة معروفة، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره في أرجلهم وخبره {يسحبون} والعائد محذوف أي: بها والسحب الجر بعنف، والسحاب من ذلك لأن الريح تجره أو أنه يجر الماء {في الحميم} أي: الماء الحار الذي يكسب الوجوه سوادًا والأعراض عارًا والأرواح عذابًا والأجسام نارًا {ثم في النار يسجرون} أي: يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين كما يسجر التنور بالحطب، كما قال تعالى: {وقودها الناس والحجارة} (البقرة: 24).
والسجير الخليل الذي يسجر في مودة خليله، كقولهم: فلان يحترق في مودة فلان، هذه كيفية عقابهم.
{ثم قيل لهم} تبكيتًا أي: بعد أن طال عذابهم وبلغ منهم كل مبلغ ولم يجدوا ناصرًا يخلصهم ولا شافعًا يخصصهم {أين} وأكد التعبير عنهم بأداة ما لا يعقل في قوله تعالى: {ما كنتم} أي: دائمًا {تشركون} {من دون الله} أي: معه وهي الأصنام {قالوا ضلوا} أي: غابوا {عنا} فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا وذلك قبل أن تقرن آلهتهم أو ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم {بل لم نكن ندعو} أي: لم يكن ذلك في طباعنا {من قبل} أي: قبل هذه الإعادة {شيئًا} لنكون قد أشركنا به أنكروا عبادتهم إياها كقولهم في سورة الأنعام: {والله ربنا ما كنا مشركين} (الأنعام: 23).
وقال الحسن بن الفضل: أي: لم نكن نصنع من قبل شيئًا، أي: ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله ما كنت أعمل شيئًا ثم يقرنون بآلهتهم كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (الأنبياء: 98) أي: وقودها {كذلك} أي: مثل إضلال هؤلاء المكذبين {يضل الله} أي: المحيط علمًا وقدرة عن القصد النافع من حجة وغيرها {الكافرين} أي: الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا ينجلي فيها الحق ثم صار لهم ذلك ديدنًا.
{ذلكم} أي: الجزاء العظيم {بما كنتم} أي: دائمًا {تفرحون} أي: تبالغون في السرور وتستغرقون فيه {في الأرض بغير الحق} من الإشراك وإنكار البعث فأشعر ذلك أن السرور لا ينبغي إلا إذا كان مع كمال هذه الحقيقة وهي الثبات دائمًا للمفروح به وذلك لا يكون إلا في الجنة {وبما} أي: وبسبب ما {كنتم تمرحون} أي: تبالغون في الفرح مع الأشر والبطر والنشاط الموجب للاختيال والتبختر والخفة بعدم احتمال الفرح.
تنبيه:
قوله تعالى: {تفرحون وتمرحون} من باب التحنيس المحرف وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف.
ولما كان السياق لذم الجدال وكان الجدال إنما يكون عن الكبر قال تعالى: {ادخلوا} أي: أيها المكذبون {أبواب جهنم} أي: الأبواب السبعة المقسومة لكم قال تعالى: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} (الحجر: 44، 45) وسميت: جهنم لأنها تلقى صاحبها بتكبر وعبوس وتجهم {خالدين فيها} أي: مقدرين الخلود {فبئس مثوى} أي: مأوى {المتكبرين} أي: عن الحق والمخصوص بالذم محذوف أي: مثواكم، فإن قيل: كان قياس النظم أن يقول: فبئس مدخل المتكبرين كما تقول: زرت بيت الله فنعم المزار وصليت في المسجد فنعم المصلى؟
أجيب: بأن الدخول لا يدوم وإنما يدوم المثوى فلذلك خصه بالذم وإن كان الدخول أيضًا مذمومًا.
ولما زيف تعالى طريقة المجادلين في آيات الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر بقوله: {فاصبر} أي: على أذاهم بسبب المجادلة وغيرها {إن وعد الله} أي: الجامع لصفات الكمال {حق} أي: بنصرتك في الدارين فلابد من وقوعه {فإما نرينك} قال الزمخشري: أصله فإن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل ألا تراك لا تقول: إن تكرمني أكرمك ولكن إما تكرمني أكرمك، قال أبو حيان: وما ذكره من تلازم النون وما الزائدة ليس مذهب سيبويه إنما هو مذهب المبرد والزجاج ونص سيبويه على التخيير {بعض الذي نعدهم} به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي: فذاك {أو نتوفينك} أي: قبل تعذيبهم {فإلينا يرجعون} أي: فنعذبهم أشد العذاب فالجواب المذكور للمعطوف فقط.
{ولقد أرسلنا} أي: بما لنا من العظمة {رسلًا} أي: بكثرة {من قبلك} إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به {منهم من قصصنا} بما لنا من العظمة {عليك} أي: أخبارهم وأخبار أممهم {ومنهم من لم نقصص عليك} لا أخبارهم ولا أخبار أممهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم وإن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة، روي أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس {وما} أي: أرسلناهم والحال أنه ما {كان لرسول} أصلًا {أن يأتي بآية} أي: ملجئة أو غير ملجئة مما يطلب الرسول استعجالًا لاتباع قومه له أو اقتراحًا من قومه عليه {إلا بإذن الله} أي: بأمره وتمكينه فإن له الإحاطة بكل شيء فلا يخرج شيء عن أمره وهم عبيد مربوبون.
تنبيه:
معنى الآية أن الله تعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس منهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه وكذبوه فيها فصبروا وكانوا أبدًا يقترحون على أنبيائهم عليهم السلام إظهار المعجزات الزائدة على الحاجة عنادًا وعبثًا، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله تعالى والله سبحانه علم الصلاح في إظهار ما أظهروه دون غيره ولم يقدح ذلك في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحًا لا جرم ما أظهرناها {فإذا جاء أمر الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا بنزول العذاب على الكفار {قُضِي} أي: بأمره على أيسر وجه وأسهله بين الرسل ومكذبيهم {بالحق} الأمر الثابت {وخسر هنالك} أي: في ذلك الوقت العظيم {المبطلون} أي: المنسوبون إلى إيثار الباطل على الحق المعاندون الذين يجادلون في آيات الله، فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتًا وعبثًا، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر، وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية وأبدلاها أيضًا ألفًا، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين.